طارق حمو:كتبنا منذ بضع أشهر في زاويتنا هذه بان حزب العدالة والتنمية التركي، ومنذ اليوم الأول لثورة الشعب السوري في درعا، قد شكل "غرفة عمليات خاصة" وبات يراقب من خلالها الاوضاع والتطورات في "الجارة الجنوبية" ساعة بساعة، ويحولها لمكاتب كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ومسؤولي مجلس الامن القومي. ولاشيء جديد في ذلك طبعا. تركيا تناضل لكي تبقى سوريا دولة يحكمها ديكتاتور أوحد تسجد له جباه الناس بقوة البسطار العسكري، وتعاونه عصابة ناهبة تحكم شعبا خانعا جائعا محروما من كل شيء. تركيا تريد جارتها على ذلك الشكل. تريد كذلك ألا تعترف هذه الجارة بالكرد. أن تعمل على تهميش وقمع مواطنيها الكرد وتهجيرهم من مناطقهم في خطط ممنهجة مدموغة بقوانين ومراسيم نافذة، وأن تنفذ كل بنود "اتفاقية أضنة" الخيانية تلك، وتواظب على تسليم ثوار حركة حرية كردستان الى أنقرة.
حكومة حزب العدالة والتنمية تلعب على الحبلين كالبهلوان. من جهة تسابق الريح لتجنيد الأزلام التابعين في صفوف المعارضة، وتعقد لهم المؤتمرات في الفنادق الفخمة في انطاليا واسطنبول، على ان يحتفظ تنظيم الاخوان المسلمين دائما بنسبة 51% تلك. ومن جهة أخرى تراقب بشار الأسد وهو يغرق في الدم وتحاول أن تمد له طوق النجاة بان تمهله أسابيعا وأيام، ولكن شريطة التعهد بمزيد من الرضوخ للأوامر التركية وتسليم البقية الباقية من الوطن السوري الى الشركات التجارية والاستخبارات التركية.
الملف الكردي كان بين أولى أولويات الحكومة التركية ورجب طيب أردوغان شخصيا. كانت الاتصالات مع النظام في دمشق تركز على ضرورة عدم الاعتراف بالكرد او منحهم أي حق، وعدم الاشارة اليهم في الاعلام الرسمي بوصفهم شعبا متميزا. وعلى المستوى الآخر، بدأت الاستخبارات التركية تتغلغل في المدن الكردية وتصنع عيونا لها ومجموعات مهمتها خلق البلبة واحداث الشقاق بين القوى السياسية الكردية. ولم يتوانى رجب طيب أردوغان على وصف الاجتماع التأسيسي (لمبادرة الاحزاب الوطنية الكردية) في قامشلو 14/04/2011 ب"المؤامرة التي تهدد وحدة وسلامة سوريا". وهناك معلومات مؤكدة عن مجموعات محددة تتلقى الأموال والأوامر من الاستخبارات التركية وتعمل جاهدة على افشال كل خطوة تقارب كردية. ويبدو هنا حزب الاتحاد الديمقراطي هو الهدف الاكبر لهذه المجموعات العميلة.
دوران كالكان القيادي الكبير في حزب العمال الكردستاني أشار في حديث له نشرته وكالة (فرات) للأنباء بان "حركة حرية كردستان في حرب مع حزب العدالة والتنمية على سوريا"، وان "الاستخبارات التركية موجودة في عامودا وقامشلو وتعمل على التخريب المنظم". وهذا الكلام يعني بان حركة حرية كردستان لديها معلومات دقيقة حول عمل الاستخبارات التركية، كما لديها خطة ممنهجة للرد والتعامل السريع مع الموضوع.
لماذا عامودا وقامشلو؟. لأن عامودا صارت المكان الكردي الابرز للتظاهر ضد النظام واصبحت "نارا على علم" في وسائل الاعلام العربية وهي تصدح ضد النظام السوري وتلوح بالاعلام الكردية. أما قامشلو فهي المركز والثقل الأكبر، وهي التي كان الاعلام التركي يركز كثيرا على كلمة "آزادي" مكتوبة بالكردية على الاعلام واللافتات، في اشارة خبيثة الى الوزن الكردي في الثورة السورية.
من المهم التذكير بان حركة حرية كردستان لن تترك كرد سوريا بين براثن حزب العدالة والتنمية يستفرد بهم مع مجموعات المرتزقة التابعين له. كرد سوريا أعزاء على قلب هذه الحركة ولهم مكانة كبيرة. وهذه رسالة مزدوجة تقول: أولاً: الكرد في كردستان الغربية وسوريا لديهم من يحميهم ويسخر لهم كل الامكانيات. ثانياً: هناك، كذلك، قبضة حديدية تردع كل من تسول له نفسه في التعامل مع اعداء الكرد واعتبار القضية "تجارة" و"فرصة لتجميع العملة الصعبة".
ويبقى الرهان الأكبر على وعي الكرد وعلى الحاجة الاستراتيجية الكبرى في توحيد الخطاب الكردي وتأطير كل القوى السياسية وتنسيقيات الشباب الحر والوطني في اطار واحد ضد النظام الاستبدادي وبعض المعارضة الشوفينية والفلول التي باعت نفسها للدولة التركية...
