حلب/ خبات عفريني
من ليس له خبر اصطدم في أول أيام الدوام الرسمي
التي تلت عشرة أيام من العطل بمناسبة عيد الأضحى بالأبواب الموصدة صبيحة
الأحد في الدوائر والمؤسسات العامة بحلب كبرى المدن السورية ،كثر من حمل
نفسه من أماكن بعيدة ليتفاجئ بعبارة عد غدا اليوم الدوائر مغلقة والموظفون
غير موجودون بسبب المسيرة العفوية.
المسيرة العفوية عبارة يطلقها
الإعلام السوري على المسيرات التي ينظمها الدوائر المرتبطة سياسيا
واقتصاديا ووظيفيا بنظام الحكم في سورية سواء كانت عبر الوحدات الحزبية
البعثية أو الأمنية بمختلف اختصاصاتها أو المؤسسات التعليمية أو المؤسسات
الاقتصادية العامة ،وذلك وفقا آلية لا تخلو من القسرية و الجبرية في
الالتزام بالمشاركة و العقاب من غيرها, ويلجأ إليها الدوائر الموالية كلما
لزم الأمر ،إلا أن المسيرة العفوية هذه المرة التي شهدتها حلب على غرار
المدن السورية الأخرى التي لم تنتفض بعد ،تحت عنوان مناهضة قرار الجامعة
العربية الذي صدر السبت وعلق بموجبه عضوية سورية في جميع أنشطة الجامعة ،
تجري في ظروف مختلفة كليا في ظل الضغوط العربية والإقليمية و الدولية
الشديدة و التي بلغت فصول متقدمة في سيناريوهات تدويل الأزمة السورية ،وليس
الخطاب الحاد الذي وجه به النظام السوري من قبل اللجنة الوزارية العربية
المكلفة في تنفيذ مبادرة الحل العربي والذي لقي تأييدا دوليا كبيرا ، إلا
سطر من سطور هذا التدويل وتضيق الخناق حول رقبة نظام بشار الأسد ،و بدأ
يلمسه النظام و يحضر لمواجهته ،ويبدو انه لن يتوانى في صده من استخدام كل
الأوراق الشعبية المتبقية له في سبيل إظهار الالتفاف الشعبي حوله وحول
مواقفه مهما كانت الأثمان ،حتى لو اضطر إلى تكبيل الناس في الساحات و تمثيل
مسرحية المسيرات العفوية رغم كل التهديدات الأمنية الجادة من قبل المسلحين
لمظاهر التأييد للنظام ، ولعلى ما شهدته مدينة حماة من سقوط للضحايا في
مسيرة عفوية انقلبت إلى مظاهرة معارضة وجه بقمع امني أودى بحياة أكثر من 10
أشخاص وجرح العشرات إلى جانب توجيه مناصريه لمهاجمة القنصليات و السفارات
العربية والأجنبية إلا دليل على إفلاس سياسات الإدارة الشعبية للتيار
الموالي له ، وزج مؤيديه في ميادين المواجهات المباشرة ،حتى في المدن
المنتفضة تشير بوضوح إلى الإنهاك الذي أصاب الدائرة الحاكمة للبلاد و
تخبطه في تحديد الردود المناسبة لكل ظرف و ضغط يواجهه ،والاعتذار الذي تقدم
به وليد المعلم وزير الخارجية السوري في مؤتمر صحفي الاثنين عن الهجمات
التي تعرضت له المواقع الدبلوماسية العربية والأجنبية من قبل مؤيدي النظام
،هو دليل عن تضارب خلافات في أركان النظام تأتي من الإرهاق والإحباط الذي
ناله جراء فشله في حل مشكلته الداخلية بالطرق و الأساليب الأمنية المعتادة
التي أقنع نفسه به طوال ثمانية أشهر الماضية.
الحالة التي وصل
إليها النظام و التصاعد المستمر لحركة الاحتجاج ومحافظته على بقائه كل هذه
المدة رغم ما تعرض له من قمع و قتل و تنكيل واعتقال بلغ حدود وصفتها بعض
المنظمات بالجرائم ضد الإنسانية ،من جهة و الغضب السائد في مواقف المجتمع
الدولي و اقتناعه بضرورة التدخل لحماية المدنيين ،وخاصة بعد الإعلان العربي
عن براءته من النظام السوري عبر تعطيل عضويته ورمي الكرة في ملعب المجتمع
الدولي ،ستدفع قوى النظام نحو سلوك مسارات خطرة للغاية سلكه نظام القذافي
سابقا ،تهدد به سلامة المجتمع السوري بأكمله و تزج به في أتون صراع أهلي لا
يحمد عقباه و اللجوء إلى شتى الوسائل القمعية من ضرب الأحياء ومحاصرة
المدن بشدة واستعمال صنوف الأسلحة المختلفة الجوية و البرية وحتى البحرية
،والتي تشير بعض الأخبار عن استخدامه بالفعل منذ فترة ،وتجمع الآراء إلى
انتهاج النظام لهذا السلوك وعدم مهادنته لأي موقف أو مبادرة بسبب طبيعة
تكوينة النظام الذي أسس له حافظ الأسد والد الرئيس الحالي ،وما يظهره من
مرونة في الحقل الدبلوماسي بالتعاطي الايجابي مع المواقف الخارجية رغم غصته
هو سلوك مؤقت يصعب عليه الاستمرار فيه وسرعان ما ينكشف.
فالمعطيات
العامة توضح توجه كل الأطراف إلى ترتيب العدة والعتاد لمرحلة تكون المواجهة
سمتها ، مواجهة شاملة مباشرة تختفي فيها القتال بالإنابة ولاسيما للقوى
الإقليمية في المنطقة التي طالما أشركت غيرها في حروب و الاقتتال نيابة عن
نفسها وخاصة تركية وإيران ،فيما يكون ساحتها لأول مرة بلد طالما كان
المنطلق والمحرض لحروب في دول أخرى ، أمر يتخوف منه السوريون بشدة لما له
من تبعات و تداعيات أليمة عليهم وهو ما حذر ويحذر منه قوى هيئة التنسيق
الوطنية للتغيير الديمقراطي احد أطراف المعارضة ( معارضة الداخل ) والتي
طالبت الجامعة العربية خلال لقائها الأخير في القاهرة بالأمين العام نبيل
العربي بضرورة متابعة بنود المبادرة العربية حتى الرمق الأخير لان فشله
سيؤدي إلى مخاطر كثيرة.
ويشير بعض المراقبين إلى أن سيناريو
المواجهة سيكون منطلقه من تركية باعتباره عضو في حلف شمال الأطلسي الناتو
وجارة شمالية لسورية ،واللقاء الذي سيجمع الأتراك بأعضاء الجامعة العربية
في العاصمة المغربية سيكون القاعدة الشرعية التي ستقلع منها الإعلان عن
منطقة حزام آمن على التخوم الشمالية لسورية و إن سبقه إعلان صريح من
الخارجية التركية ،والبدء بتجميع قوى المعارضة المسلحة فيها تمهيدا
لمواجهة قد تورط ظاهرا حلف الناتو في فصوله ،وما الحديث المتكرر من قبل
قادة الحلف عن استبعادهم لهذا التدخل إلا كشفا صريحا عن هذه النية خاصة بعد
نجاح مهمتهم في ليبيا .
بالمقابل لا تجد في موقف النظام وأركانه
رغم إدراكهم لهذه السيناريوهات و حديثهم الدائم عن مؤامرة ،ما يشير إلى
نواياهم في تجنيب البلاد العواصف و الزلازل و الجنوح إلى تلبية المطالب
الداخلية عبر مؤتمر حوار جدي وشامل و فاعل بعيد عن المسرحيات الهزلية و
المعارضات الشكلية ،والإعلان عن استعدادهم غير المشروط للتخلي عن كل ما
يلزم لإنقاذ البلاد ،وهو ما حذر به الملك الأردني عبد الله الثاني عندما
قال ناصحا بشار الأسد ،لو أنا مكانه لتنحيت .
