Afrin.TV عفرين لقنوات البث المباشر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةAfrin TVأحدث الصورالتسجيلدخولالعربيةالجزيرةBBC عربيRONAHI TVفرانس 24

 

 ضرورة الأيديولوجيا والمعنويات للإنسان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المركز التقني
مشـرف
مشـرف
المركز التقني


ذكر عدد المساهمات : 140
مستوى النشاط : 4989
تاريخ التسجيل : 20/09/2011
العمر : 40
المهنة : فني موبايل

ضرورة الأيديولوجيا والمعنويات للإنسان Empty
مُساهمةموضوع: ضرورة الأيديولوجيا والمعنويات للإنسان   ضرورة الأيديولوجيا والمعنويات للإنسان Emptyالأربعاء أكتوبر 12, 2011 5:33 pm

عبد الله أوجلان

لا يمكن بالطبع التغاضي عن الروابط القائمة بين الأيديولوجيات وبين المجتمعية والطبقات الاجتماعية. وهي مرتبطة عامة بالإنسان، لكنها مرتبطة على وجه الخصوص بأناس المجتمع، أي بتطور الفرز الطبقي. ومن المستحيل غض النظر عن ارتباط الأيديولوجية بالمجتمع عامة وبطبقاته خاصة. وللبورجوازية أيضاً تطورها الأيديولوجي على هذا النحو.


لا يمكن لأحد تصور انعدام الأسس الأيديولوجية المنيعة في حركة PKK. بل على النقيض من ذلك، إنها تمتلك أرضية أيديولوجية في أكثر المستويات تقدماً. وكما يلاحظ، إنها لا تشبه الاشتراكية المشيدة ولا هذه الأيديولوجية أو تلك. ثمة موقف أيديولوجي مستمر قُدُماً في تطوره الديناميكي. لكن لا يجب المرور على مسألة التطور الأيديولوجي مرور الكرام.

بالأصل، يعود السبب الرئيسي لعدم تحكم الإنسان في ذاته، من افتقاره إلى الأرضية الإيديولوجية المنيعة. ينتاب الخوفُ الإنسانَ من كونه بلا أيديولوجية. قديماً كان يقال "عديمو الإيمان، عديمو الدين، عديمو الأخلاق". والإنسان عديم الأخلاق يعبر عن حالة واهية، كذلك الأمر بالنسبة لعديم الدين. لذا يلعن المجتمع أمثالهم جميعاً ويعاقبهم أشد عقاب. والآن تحل الأيديولوجية محل كل هذه المصطلحات. وخاصة لدينا، فالأيديولوجية شرط لا غنى عنه. أنا لا أتكلم عن أيديولوجية المادية البحتة "الفظة" أو هذا المستوى المتحقق أو ذاك من الاشتراكية المشيدة، بل أتكلم عن احتياج أساسي للغاية، أي عن الاحتياج الأيديولوجي. خاصة وأن هذا ليس ضرورياً لأجل الآن فقط ، بل إنه ضروري أولاً وأخيراً. إنه مهم للإنسان الأول وسيكون مهماً لآخر إنسان أيضاً، إلا أنه يطرأ عليه التغير على مر العصور.إذا كنا كشعب نقبع في مستوى يكيل فيه اللعنة علينا كل من حولنا وينفر منا، فسبب ذلك يرجع إلى افتقارنا إلى الأيديولوجية. أي إلى القيم الفكرية والمعنوية الموافقة لواقعنا المادي الخاص بنا. لو أننا كنا شعباً يربط بين قوته المعنوية والفكرية وبين واقعه المادي القائم، لما كان وضعنا مثلما هو عليه الآن على الإطلاق. ويمكن التعبير عن هذا الوضع بالقول "إن هذا الأمر قد فصل شعبنا طيلة التاريخ الاستعماري عن المعنويات الأيديولوجية بهذا الشكل أو ذاك". لكن المهم هنا هو تحقق هذا الوضع.

وعوضاً عن التلفظ بالكلمات التي طالما رددها الكل من قبيل "شعبنا جاهل، عديم الفكر"، بإمكاننا القول على

العموم أن شعبنا عديم الأيديولوجية، عديم المعنويات. ولكونه فُصِلَ عن هذه المصطلحات الأساسية، وزجَّ به في

مستوى أقرب ما يكون فيه إلى الحيوان. ويتم استعماره قدر ما يُراد، والركوب عليه قدر ما يُراد، وقتله قدر ما يُراد، ومقابل ذلك فهو لا يستطيع التفوه بأية كلمة، وإن تفوه بها فلا أحد يأبه له.فكروا في مسألة تحقيقي لذاتي. وإذا كنتُ قد استطعتُ أن أصبح صوتاً مدوّياً ومسموعاً، فسبب ذلك يعود أساساً إلى تطوير ذاتي أيديولوجياً. ولو انتبهتم لرأيتم أنني لم أقم بأي عمل بالسلاح "بمعناه الفظ" ولا بالمال. بل إن طراز عملي هو على أساس الأيديولوجية. وامتلاكي قوة فكرية كبرى وملائمة لواقعنا المادي ومنسجمة معه، وإبداعي للفكر، وبلوغي بذاتي إلى مستوى القدرة على تطبيقه؛ قد حولني إلى قوة فكرية لا مثيل لها.لماذا أمتلك هذا القدر من قوة التأثير؟ يصفونني الآن بأنني كالمعجزة لأنني حلّلت في ذاتي عدمية الأيديولوجية وعدمية المعنويات، وعن طريق هذا الحل أصبح مستوى تطبيق ذاتي عملياً ينسجم كثيراً مع الظروف المادية السائدة. ولأجل ذلك تتسم كل انطلاقة تاريخية بمزايا خارقة معجزوية.لنضع نصب أعيننا الظروف المادية للعرب في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، أو الوضع المادي السائد في أوربا قبل قيام الثورة الفرنسية، أو الوضع المادي السائد في روسيا قبل قيام ثورة أكتوبر، وقد ذكرتُ هذه الثورات باعتبارها من الثورات المعروفة لدينا؛ سنرى حينها أنه ثمة بُعد كبير حقاً عن الأيديولوجية، وتفشٍ في انخفاض المعنويات وسيادة اليأس، أو نفوذ زمرة ضيقة منفعية في عموم المجتمع لتهشيشه وتهميشه. ولأجل ذلك ثمة حكومات مهيمنة لا تفعل شيئاً سوى تعميم الجهل واليأس، ويمكن تسميتها بالديكتاتوريات أو الإدارات الظالمة. وفي مرحلة كهذه يظهر شخص ما يحمل على عاتقه مهمة الريادة الأيديولوجية والمعنوية للذين انفصلوا عن الإيديولوجية والمعنويات، ويتحول بعد مدة وجيزة – سواء كان شخصاً أو عدة أشخاص – إلى انفجار اجتماعي كبير. وهذا ما نسميه بالثورة.أين تكمن عظمة النبي محمد "ص"؟ تكمن في مواجهة عهده الذي تسوده ظروف اجتماعية متخلفة و فظة للغاية، بمستوى عالٍ و رفيع من الفكر والمعنويات. ذلك أنه يقوم بجمع القيم الدينية المتشتتة المتبقية وتوحيدها في القرآن- كانت الأفكار حينها تعبَّر بالألفاظ والمصطلحات الدينية – ويمنحها للمجتمع بمعنويات عليا. وهكذا يحصل انفجار إسلامي عظيم. الوضع المادي للعرب في تلك الأيام كان متخلفاً جداً، حيث لا يعرفون معنى الفكر، لذا كانت الإنسانية تتهاوى بكل سهولة في سبيل مصالح بسيطة وتافهة. هذا فضلاً عن أوضاع ملعونة أخرى جمة مشابهة لذلك. وهنا تجد هذه الانطلاقة الحل لهذه الأوضاع.

قُبَيل الثورة الفرنسية أيضاً وصل تطفل الفئة الأرستقراطية وازدياد التحول إلى البروليتاريا، إلى حالة لا تطاق. فإن أحد الطرفين يعيش الحيوانية من الأعلى، بينما يعيشها الطرف الأخر من الأسفل. ومن البديهي أن الرد على ذلك سيكون بانطلاقة أيديولوجية ومعنوية كبرى. بيد أن فلاسفة هذا العصر هم من أعظم المفكرين ومؤسسي الأخلاق. أما محصلة ذلك فهي، الثورة الفرنسية.

يستمر ذلك في الثورة الروسية أيضاً، لتسود الحيوانية في روسيا في البنية الفوقية والتحتية على السواء في ظروف أشد تخلفاً. والرد على ذلك أيضاً كان بموقف اشتراكي راديكالي للغاية، وما يدعمه من فكر ومعنويات. وهذا بحد ذاته يشكل ثورة عظمى.

الواقع الكردستاني أيضاً مشابه لذلك لحد ما، إذ يسود نظام حيواني بكل معنى الكلمة. ففي الأعلى ثمة إدارة حيوانية، ومن يتحملها في الأسفل يتحول إلى حيوان. ونحن رأينا هذا الوضع، وجهدنا لتحديد كيفية تجاوزه وتعيين الفكر والمعنويات اللازمة لذلك. وفي المحصلة ظهر انفجار مُدَوٍّ أسميناه بالثورة الكردستانية. وإلا فمن أين انتهلنا قوتنا؟ إننا لم نصمد بالمال أو العادات الاجتماعية القديمة البالية أو حتى بالأشكال التنظيمية السائدة للطبقات والشرائح في المجتمع. بل على العكس من ذلك، قمنا بتمزيق كل ذلك إرباً ارباً، لأنها جميعها قد تردت وحُطَّ من شأنها. أن ما قدمناه هو إمكانية التقييم السليم للواقع الذي نعيشه حقاً من جهة، وصياغة الفكر والمعنويات الأكثر ملائمة لتحقيق انطلاقة من ذاك الواقع من جهة أخرى.

لا يمكن لأحد الاستهانة والاستخفاف بهذه الحقيقة البادية للعيان. لذا يجب على الإنسان التقرب من الحياة بفكر كافٍ ومعنويات عالية. فإننا نرى اليوم بأن القوة الفكرية والمعنوية المتواجدة لدى الإنسان لا تؤهله القدرة على إنقاذ نفسه في أبسط الأمور. فإنسان اليوم عاجز عن التخلص من كونه مسكين بائس. فالقوة الفكرية والمعنوية الموجودة الآن لا تفي للتجاوب مع الظروف المادية القائمة. بسبب غياب الجانب الإيديولوجي والمعنوي، يعيش الإنسان في حالة متذبذبة وغير مبدئية وغفلة، بعيد عن الحل والتطور، إذ أن للتطور قوانين يسير وفقه.

إذاً، فالأمر يرتبط بالفكر عامة، وبشكله الأيديولوجي خاصة. أي أنه يمكن إقامة علاقة بين الفكر والإيديولوجيا.

الفكر هو الفرضيات العامة، الأفكار العامة. والأيديولوجيات هي الأفكار المتطابقة والمتكايفة مع الظروف المادية لمجتمع ما، وتم التفكير بها لمصلحة ذاك المجتمع، وحتى أنها صيغت بمقتضى ذلك.

إنها تعبر عن فكرة وموقف معني بمجتمع ما، سواء بهدف تطويره أو جذبه إلى الوراء أو فرض المحافظة والتزمُّت عليه. ثمة أيديولوجيات رجعية وأخرى تقدمية. ثمة أيديولوجيات متزمتة وأخرى تستهدف التغيير. ترتبط الأيديولوجيات بالمستوى الاجتماعي الملموس وتتوازى معه.ثمة سياق لتطور الأيديولوجيات أيضاً على مر التاريخ. فالأيديولوجيات الدينية تطورت، سواء في هذا المجتمع أو ذاك، وبهذا المستوى أو ذاك، إلا أنها تستمر قُدُماً دون انقطاع. هذا إلى جانب وجود أيديولوجيات يغلب عليها الجانب الفلسفي. وهنا علينا فهم لفظ الفلسفة وماهيتها. تنبثق الفلسفة من الدين، أو أنها تظهر أمامنا بعد مرحلة معينة من تطور الدين. أي أنها قديمة في تاريخها قِدَمَ الدين على الأقل.

ما يميز الفلسفة، هو كونها أقرب إلى العلمية. الفلسفة لا تقول: "الله موجود أو هكذا يقول الله"، ولكنها تشرح وتقول "هناك الطبيعة، وهي هكذا". أي أن الفلسفة، على غير بعض الدوغمائيات الأخرى، تطور الأفكار حسب حقائق الطبيعة. ثمة جوانب عديدة منها مشابهة للدين، بحيث يتداخلان مع بعضهما، لكنهما يختلفان أيضاً عن بعضهما البعض. فالفلسفة تسعى نوعاً ما لتحليل وتفسير ظواهر الطبيعة، بينما يعتمد الدين كلياً – وحينما نقول كلياً لا نقصد بذلك أنه يتجاهل تماماً وجود الطبيعة – ومنذ بداياته على مبدأ ما وراء الطبيعة. فهو يقول "ذاك الرب، وهذا كلام الرب"، ويسعى لتنظيم الطبيعة والحياة المادية بموجب ذلك. وعلينا ألا ننسى أن هذا أيضاً نمط فكري. فمن يعتقد كلياً بما وراء الطبيعة نراه يتميز بالقوة، لا لأنه هناك الله، بل لأنه يتحلى بقوة فكرية ثابتة تغلب عليها المعنويات العالية.

متى وكيف تكونت فكرة "الله"؟تمر هذه الفكرة من عدة مراحل تطور، ولازال المقصود بكلمة "الله" مجهولاً. حتى لدى آينشتاين الذي حقق تقدماً ملحوظاً في العلم، نرى وجود فكرة "الله". حتى الفرد الذي ينظر إلى أية قوة طبيعية بدائية على أنها إلهاً، تتواجد لديه فكرة "الله". إلا أنه ثمة فرق بين هذه الحوادث. فالعلم أيضاً يتكلم عن تعريف من قبيل "القوة الموجهة للطبيعة" أو "قوانين الطبيعة". ما نريد قوله هنا هو أن مصطلح "الله – الرب" لا يزال يقطع أشواطاً من التطور. وبمعنى آخر لا يقلل من تطوره شيئاً. إلا أنه من غير الممكن من جانب آخر النظر إلى كل فكر ارتباطاً بهذا الإطار وتوضيح سياق تطويره من هذه الزاوية. وهنا يبدأ دور الفلسفة وفاعليتها. الفلسفة أقرب إلى العلمية نوعاً ما، وتسعى لتوضيح وتحديد أسس تطور الطبيعة.ثمة العديد من التيارات الفلسفية كما هو معلوم، من قبيل التيارات المثالية، التيارات المادية والأساليب التي تتبعها. ومن جانب آخر ثمة من يريد إيضاح الأمور من خلال مواقف ما وراء الفيزياء – أي الميتافيزيقيا- وهناك من يريد شرحها بالمواقف المادية. وبينما يرتبط الديالكتيك بالفلسفة المادية أكثر، تكون الميتافيزيقيا مرتبطة أكثر بالفلسفة المثالية.لن نقوم بشرح هذه الأمور كثيراً هنا، لكن ثمة روابط بينها جميعها وبين سياق التطور الاجتماعي، ولو بنسب متفاوتة. وقد تواجدت هذه الروابط في أولى العهود الإنسانية، ولا تزال موجودة الآن أيضاً. المهم هنا رؤية دور الدين أو الفلسفة في تطور الإنسان، وإدراك ما يعنيه كل منهما. وهنا بالطبع ثمة مصطلح آخر الفكر العلمي وهو يوضح الحياة المادية بعين أكثر موضوعية نسبةً للدين أو الفلسفة على حد سواء. أي أنه يؤمن بأن "2× 2=4". إنه يتضمن ماهية كهذه. ما هو الفرق بين الفكر العلمي و الأفكار الأخرى؟

الفكر العلمي – نسبةً للأشكال الأخرى من الفكر – يوضح الكون والطبيعة والمجتمع على نحو أفضل، حيث يشرحها حسب الأسباب والنتائج. وبالطبع قد زوّد هذا النمطُ الإنسانَ بقوة أخرى. يُعد التفكير حسب العلم اليوم أساساً، حيث يحرز الإنسان التطور به. إلا أن الدين أيضاً قد طور الإنسان على مر التاريخ وزوّده بالقوة والوجود. كذلك لعبت الفلسفة الدور نفسه ولا تزال، ولكن ثمة تطور في النواحي العلمية فقط. تواجَدَ العلم منذ القِدَم، منذ بدء عمل الإنسان وفعله. أي أن الإنسان عندما كان ينشغل بالصيد أو يطور أولى فعالياته الزراعية، كان هناك وجود للعلم. ما هو الجانب العلمي في هذه الفعاليات؟ إن القول "لو توجهت إلى الصيد بهذا الشكل، لو ضربت فريستي على هذا المنوال فسأوقع بها أرضاً" هو قول أو موقف علمي. كما أن القول "لو زرعت هذا الحقل بهذا الشكل فسأجني كذا شيئاً بالمقابل" هو تفكير علمي يمتُّ بجذوره إلى القديم منذ بدء التاريخ البشري. أي أن العلمية ليست حالة خاصة بيومنا الحاضر، ولكنها اليوم منتظمة أكثر بكثير، وقطعت أشواطاً عظمى في العديد من المجالات المختلفة.

بينما كان الدين يحتل منزلة الصدارة في بداية البشرية، يلاحظ أن نطاقه ضاق لحد ما في حاضرنا. كذلك الفلسفة، إذ وبينما كانت تستمر في وجودها البارز في العصور الوسطى والقديمة، وحتى في أولى مراحل الرأسمالية، نلاحظ أنها تدنت إلى المرتبة الثانية اليوم، أو أنها تبدو على هذا المنوال. أما العلم، وبينما كان محدوداً في البداية، نرى أن كل شيء اليوم يُنظَر إليه بمنظور العلم، وهذا بحد ذاته يشكل معضلة هامة.

ثمة جدال دائر حول؛ ترى كم سيكون بمقدار التقنية الناجمة عن تقدم العلم اليوم أن تودي بالإنسان نحو الإبادة والفناء؟فالتقدم التقني المنبثق عن العلم اليوم يتضمن خطراً يهدد المجتمع بقدر الدوغمائيات الدينية أو بعض النزعات الفلسفية على الأقل. بل حتى أنه يمكن القول بأن التقنية المرتكزة إلى العلم ستؤدي بالإنسان إلى الزوال في المستقبل القريب أكثر من أي شيء آخر. إذا لم تتَّخَذ التدابير اللازمة، قد يخلق التقدم التقني معه وحوشاً تبلع الإنسان، وما الذرة سوى غول وحشي. أو أن التقنية غول وحشي يدمر كل البيئة والمحيط في يومنا.

قديماً أيضاً كانت هناك وحوش، لكن كان بِمِكنة الناس حماية ذاتهم تجاهها آنذاك. الإنسان الذي استطاع حماية نفسه من الوحوش الكاسرة في العهود القديمة في بدايات التاريخ البشري، عاجز اليوم عن حماية ذاته تجاه الوحوش التقنية. بل حتى أن الوحوش التقنية التي قد تظهر بعد عدة قرون، قد تكون أكثر خطراً وتهديداً. لكن الإنسان بلا شك سيعرف كيف يحمي ذاته تجاهها.

يقيّم الناس العهود التي يمرون منها بأنها "آخر عصر" على وجه العموم. ورغم أن الأمر يبدو كذلك على الدوام، إلا أنه في الحقيقة ليس كما يقال. فالتغير هو الأساس. أجل، التغير ضرورة من ضرورات مبادئ الدياليكتيك. ولكن يتوجب تقييمه بشكل صحيح. لا يعني التغيير غض النظر عن الوقائع الحاصلة. فلكل مرحلة مستواها وقيمتها المحددة من التطور، وعندما نتنبه لذلك يمكننا إضفاء المعنى على التغير الحاصل. وفي حال العكس، أي إن زعمت بأن "كل شيء يتغير" فلن تكون حينئذ سوى مراوغاً مخادعاً. وأظن أن التغير يتم فهمه لدينا على أنه مراوغة لحد ما. لأجل فهم التغير الحاصل يجب رؤية ما هو دائم فيه وثابت. ثمة قيم راسخة لا تتغير مثلما هي حال التاريخ البشري، كما أنه ثمة قيم يتحتم تغييرها أيضاً. علينا أن نتحلى بمفهوم فلسفي كهذا بشأن التغير.

بإيجاز، ما يجب ملاحظته هو أن الأفكار والأيديولوجيات تتداخل في سياق التطور البشري مع الحياة بالتأكيد، سواء كان شكل التعبير عنها بالسحر أو الشعوذة أو الدين أو الفلسفة أو العلم. فالحياة لا تتدفق أبداً دون وجود مثل هذه الضوابط.يكون الإنسان إنساناً كلما اتسم بالقوة الخيالية والفلسفية والعلمية.ولكن، ما هو الجانب الذي يجب التركيز عليه في أمرٍ ما؟ ما الجانب الواجب علينا العمل به؟ وما هو الجانب الذي يجب تغييره؟ كيف تتم الحاجة للجانب الإيديولوجي ؟ ما هو مقدار الحاجة اللازمة للانضباط والمعنويات والأخلاق لتطبيق أمر ما؟ كل هذه المسائل إذا ما حُدِّدت على نحو سليم فهذا يعني أن ذاك المجتمع المعني بها هو مجتمع صحي، مجتمع حر، مجتمع يعيش ذاته. أما إذا لم يفلح في ذلك وبقي عاجزاً عن حل مشاكله المعنوياتية والأيديولوجية، فهو حينئذ يسقط ويهوي نحو القاع وإن كانت دفة الحكم في يده. وبسقوطه يتشتت ويتلاشى.

المجتمع الكردي هو مجتمع ساقط متردٍّ، نتيجة السياسات الممارسة بحقه. بل والأنكى من ذلك أنه يواجه التشتت والتبعثر وجهاً لوجه، ذلك أن واقعه الاجتماعي منحط أيديولوجياً ومعنويا.

وهنا بالذات، ما هو PKK؟

PKKأولاً هو حركة إيجاد الأيديولوجية والمعنويات لشعب قد انهارت أيديولوجيته ومعنوياته. يتحتم إدراك ذلك جيداً لأنه يمثل مفتاح الأمر.

ثمة العديد من الأيديولوجيات التي تمتلك هذا الإصرار والعزم. وعلى سبيل الذكر، ثمة أيديولوجيات نسميها بالمعاصرة، والتي تتطور بمحاكاة مستوى التقدم العلمي لعصرنا. ما هي هذه الأيديولوجيات؟ إنها التعصبية القومية التي نعرّفها بأنها أيديولوجيات مرتبطة بالواقع الاجتماعي للبورجوازية وما يتمخض عنها من أشكال مختلفة. وهناك الليبرالية والتدوّل، وغيرها من التيارات والأيدلوجيات الكثيرة التي نسميها بهذا المصطلح أو ذاك. لكن الخاصية الأساسية لجميعها هي تعريفها بالتعصبية القومية. أما الأيديولوجيات السابقة لها، فبقدر ضعف أواصرها بالتطور الاجتماعي ومحدوديتها، كانت متخلفة حتى عن المستوى الوطني، حيث كانت تعتمد على الأرجح على الجماعات ومجموعة من العشائر، وحينها تكونت جماعات على شكل عائلات. الأيديولوجيات الإلهية، وحتى المدارس الفلسفية كانت تعتمد على مصالح جماعة ضيقة، لتكون بالأصل أيديولوجية تلك الجماعة، لا المجتمع بأسره.البورجوازية هي شكل طبقي آخر، ترتأي لذاتها بناء وطن، وسوق وطنية، وحدود وطنية، ودولة وطنية، ويُعبَّر عن ذلك عادة في حقيقة الأيديولوجية القومية. ما هي الأيديولوجية القومية؟ تعمل البورجوازية للسمو بالمجتمع والوطن. أي ثمة حاجة أكيدة للوطن وبنائه، ذلك أنها بحاجة للدولة الوطنية والثقافة الوطنية والأراضي الوطنية. وبناء عليه يتم تطوير فكرة الدولة الوطنية والثقافة الوطنية والاقتصاد الوطني والأحزاب الوطنية، وغيرها من الكثير من الأبعاد ذات الطابع الوطني. هذا بحد ذاته يعني قومية كبرى، بيد أنه كثيراً ما ينزلق نحو الفاشية لأسباب مختلفة. وعلى سبيل المثال، هتلر يمثل أعلى مستويات القومية الشوفينية، حيث يقول "الألمان هم الأرقى والأسمى، والباقون كلهم منحطون". وهذه أخطر نقطة يصل إليها التطور الأيديولوجي للبورجوازية.لا يمكن بالطبع التغاضي عن الروابط القائمة بين الأيديولوجيات وبين المجتمعية والطبقات الاجتماعية. وهي مرتبطة عامة بالإنسان، لكنها مرتبطة على وجه الخصوص بأناس المجتمع، أي بتطور الفرز الطبقي. ومن المستحيل غض النظر عن ارتباط الأيديولوجية بالمجتمع عامة وبطبقاته خاصة. وللبورجوازية أيضاً تطورها الأيديولوجي على هذا النحو، والذي لا يزال مستمراً بكل قوته. والليبرالية والتدوّل أيضاً هي أشكال مختلفة للقومية.

مقابل ذلك فالطبقة الكادحة، توأم البورجوازية أو الأخت التي ظهرت معها على مسرح التاريخ، تجهد للبروز بأيديولوجية تحاكي وتوازي ما يسمى بالبروليتاريا. وكما هو معروف فهي تسمى أيضاً بالأيديولوجية الاشتراكية. تمتد جذور الأيديولوجية الاشتراكية إلى الماضي السحيق. ومثلما يعود إرجاع القومية إلى الأرستقراطية، وحتى إلى طبقة أسياد العبيد في التاريخ المديد، فالاشتراكية أيضاً تمتد بجذورها حتى أكثر المسحوقين والاقنان والمضطهدين المسمين بـ"بلاب Pleb".

للبلابيين "Pleb" تجربتهم الاشتراكية مع سبارتاكوس، وللأقنان تجاربهم الشيوعية الاجتماعية العديدة في العصور الوسطى. إلا أن هذه التجارب قطعت أشواطاً ملحوظة في القرن التاسع عشر فيما يسمى بالاشتراكية العلمية. أي، لكل عصر اشتراكية خاصة به.

مثلاً، سيدنا علي، أو العلوية في الإسلام هي لحد ما اشتراكية الإسلام. وفي العصور الوسطى، لكل دين على وجه التقرب شكل اشتراكي خاص به. بل إن هذا الأمر صحيح حتى في العصور القديمة أيضاً.

ما ظهر في العصر الرأسمالي إلى جانب الأيديولوجية العلمية السائدة وارتباطاً بها، ثمة علمية الاشتراكية أيضاً. ولأجل تمييز الاشتراكية البارزة حينها عن غيرها من الاشتراكيات، يطلق عليها اسم الاشتراكية العلمية.

لماذا علمية؟القرن التاسع عشر هو قرن العلم بحيث لم تبقَ منطقة لم يتسلل إليها العلم أو يبرز فيها. وقد أثر هذا التطور الحاصل على العلوم الاجتماعية أيضاً. بالتالي تظهر الاشتراكية كأكثر التعابير جوهرية للعلوم الاجتماعية. ولأجل ذلك يطلق اسم "الاشتراكية العلمية" عليها، أو بمعنى آخر العلمية للاشتراكية "علمية الاشتراكية". وهذا ليس بالأمر الهام كثيراً.تتسم الاشتراكية بأنها الأكثر عزماً وإصراراً على العلمية في تاريخ الأيديولوجيات.ولهذا دوافعه، حيث يأتي ارتباطها بالطبقة الكادحة في مقدمتها. فالطبقات الحاكمة مرغمة على الكذب والرياء واللاموضوعية، أما الطبقة الكادحة فمرغمة على الواقعية، أي العلمية، لأنه لا حاجة لها بالكذب أو استعمار أو استغلال الغير. ولأجل ذلك تعد الطبقة الكادحة نزاعة للعلمية. هكذا هو الأمر نسبياً.أصلاً، يحتاج الإنسان عموماً لليوتوبيا في كل زمان. لكن اليوتوبيا ليست تبعية وخضوعاً. بيد أنه من المستحيل عدم التفكير بالخاصية اليوتوبية للاشتراكية أيضاَ. وفي الواقع، كل أيديولوجية هي يوتوبيا. والاشتراكية مرغمة على أن تكون كذلك. أرادت الاشتراكية المشيدة تجاوز ذلك لكن نهايتها كانت الانهيار. ويمكن اعتبار نتيجة كهذه على أنها شكل تحريفي مضاد لجوهر الأيديولوجية الاشتراكية. وكل تحريف – كما هو ملاحظ – لن ينجو من التعرض للفشل الذريع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ضرورة الأيديولوجيا والمعنويات للإنسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  ضرورة أن يصبح الإيزيديون أهل قلم
» ساركوزي يؤكد ضرورة اعتقال القذافي.. وكاميرون يعد بالإفراج عن أرصدة ليبية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Afrin.TV عفرين لقنوات البث المباشر :: قسم الإدارة :: منتدى المحذوفات-
انتقل الى: