بين جبال(( الليلون))
تقع قرية (عقيبه) على هضبة تعقب تلك الجبال ولذلك سمّيت((عقيبة)). تبعد قريتنا حوالي خمسة وثلاثون كيلو مترالى الشمال الغربي من مدينة حلب وهي قرية رومانية قديمة فيها آثار لمعبد زوربا ذاك الفيلسوف الذي لم يتخرج من أية مدرسة ،بل عجزت فلاسفة السفسطائية عنه، فقد كان زوربا مدرسة بعينها ، وذلك في مفهومه عن الجدلية والانتماء، حتى غدا لفلاسفة عصره أستاذا وواعظا . وأصبح له تابعين ..
ومن يمرّ من قريتنا ويتفرس في مناكبها، يدرك تماماً كيف أعقبت تلك القرية حضارات رومانية وحثيه وميتا نية وغيرها، وقد أثقل كاهلها عشقها التاريخ في ماض سحيق.
ولروعة الخالق سبحانه وتعالى أنه أبقى على بعض من تلك الحضارة التي حافظ عليها سكانها ،فالكل ساهم في بقاءها ، الفلاح، والطالب، والعالم ،والشيخ، والغني، والفقير.وجميعهم يفخرون أنهم من أحفاد حاتم الطائي في الكرم،لن يتخيل أحدا دخول القرية والخروج منها،قبل أن يكون قد تعرّف على ثلث أهلها أو أكثر، فحبهم في إكرام الضيف فيه إفراط في الترحيب ، طمعا في كسبه يوما وليلة على موائدهم، هذا على الأقل ، جميعهم زوربا في المعرفة ، ليس هناك من يقع في حفرة مرتين.
تتميّز قريتنا بهوائها العليل ، ففي الصيف لا تستطيع النوم دون لحاف يغطي جسمك من البرد.
وأنك ستستفيق من نوم عميق ، قبل أن يعلو عمود الشمس على الأرض ، قد يزعجك من الأصوات ، صياح الديك ، أمام شدو البلابل والعصافير وانواع مختلفة أخرى .
الفلاح الذي يسير بين خطوط الأرض المحروثة بإتقان، والراعي يسير بغنمه خلف التلال ، والصخور الضخمة المخرمة التي تدل على قدمها ، يصرعها صفير النسيم بنغمة الكورد والبيات
وأنغام أخرى مبهمة ربما هي النكريز كاركورد احدى مقامات الموسيقى .
ففي الصباح الباكر أول ما تشمّه رائحة الحطب والقش ومن بينهما رائحة الخبز ، تبدو وكأنها من أفضل الرياحين في لحظتها ، تدعوك إلى تناولها بكمية أكبر مما تناوله لو أنك تعيش في مدينة ،
عندما تقف على قدميك ليس هناك ما يمنعك من الرؤيا اللامحدودة أمامك .، فالأشجار الحراجية الخضراء وزرقة السماء أهم الألوان التي تراها في صباحك تريح عينيك وتهذب أنفاسك ..
أما شعبها فيعود انتماؤه الى أعرق القوميات وهم ((الأكراد)) فقد وصف الإمام عليّ كرّم الله وجهه (( أن الأكراد هم أعراب الفرس ، وقريش العجم ))
